عقوق الوالدين “الصامت”.. خطر كامن في كل بيت


المشهد الأول:

“ليلى” 29 عاماً، كلما ذهبت لمكان ما سواء لعمل أو لنزهة تركت صغارها الثلاثة عند أمها التي جاوزت الستين عاماً بحجة أنه لا يوجد أحد يرعاهم في غيابها، أو بحجة أن الصغار يكدروا نزهتها، أو لأنه ممنوع دخول الأطفال لمكان ما، ثم تذهب لتلهو وتفرح وتترك أمها تعاني مشقة رعاية أطفالها ونومهم فضلاً عن نظافة البيت ونظافتهم.

المشهد الثاني:

“أبو محمد” جاوز الخمسين عاماً ويحمل ما يحمل من آلام المفاصل، والظهر، والضغط والسكري لكنه هو من يقوم بشراء احتياجات البيت رغم كل ما يعانيه من أمراض، ويخدم ابنه الشاب العشريني الذي يمضي أغلب أوقاته على شبكة الإنترنت، والتنقل بين مواقع التواصل الاجتماعي، وعندما يجد بعض أوقات الفراغ يجلس بجوار والديه ممسكاً هاتفه النقال يحدثونه ولا يجيب إلا ببعض الكلمات البسيطة التي تخرج منه إلكترونياً دون تركيز لأنه يتابع لعبته المفضلة “subway”.

كل ما ورد في السابق مواقف بسيطة وموجودة في كثيرٍ من البيوت، ولكن قد لا يتم تصنيفها ضمن عقوق الوالدين الذي اعتدنا على معرفته، فما هو العقوق الصامت؟ وكيف ينظر الشرع له؟ وهل من البر بأمهاتنا أن نستغل عاطفتهن وغريزة الأمومة لديهن في خدمتنا وخدمة أطفالنا؟ هذه الاسئلة وغيرها يجيب عليها التقرير التالي:

التطور التكنولوجي عمق مشكلة العقوق

نهاد الثلاثيني: العقوق الصامت يتمثل في كل مخالفة لتوجيهات وإرشادات الآباء وقد يكون أكثر إيلامًا من صور العقوق الفجة الصريحة
نهاد الثلاثيني: العقوق الصامت يتمثل في كل مخالفة لتوجيهات وإرشادات الآباء وقد يكون أكثر إيلامًا من صور العقوق الفجة الصريحة

نهاد الثلاثيني أستاذ الحديث الشريف وعلومه في الجامعة الاسلامية بغزة قال لـ“بصائر”: “إن العقوق في عصرنا الحالي له صور وأشكال غير تقليدية أو معروفة بشكل واضح عند الكثير من الشباب، فاليوم نعيش تطور كبير في مسألة التكنولوجيا، وهذا التطور في الحياة أثر على تعميق مشكلة عقوق الوالدين ولكن بشكل صامت وخفي”.

وأشار إلى أن العقوق الصامت للوالدين يكاد يوجد في كل بيت لكن بنسبة تختلف حدتها من بيت لآخر، مبيناً أن التطور في مسألة دخول الإنترنت والجوالات إلى البيوت قد يندرج تحت هذا العنوان وهو العقوق الصامت.

صور وأشكال العقوق

وأكد الثلاثيني أن العقوق لا يقتصر على الصراخ أو التأفف في وجه الأب أو الأم أو غير ذلك من تصرفات واضحة على أنها عقوق، لافتاً إلى أن العقوق الصامت يتمثل في كل مخالفة لتوجيهات وإرشادات الآباء وقد يكون أكثر إيلامًا من صور العقوق الفجة الصريحة ، مثل مخالفتهم في ترشيد الوقت في مسألة استخدام الإنترنت والجوال والحواسيب ومضيعة الوقت على الألعاب.

وشدد الثلاثيني على ضرورة اختيار الصحبة الصالحة والتي تعين على بر الوالدين، منوّهاً إلى أن كثير من المحافظين يحذرون أبناءهم من رفقاء السوء، وبالفعل إن كان الابن استجاب لنصيحة والديه فهو بار بهما، وإذا خالف تعليماتهما فهو عاق لهما.

وذكر أن الهجمة التكنولوجية عمقت مشكلة العقوق، “لدرجة أن المدمن على الإنترنت قد يكون جائعاً أو عطشاناً لكنه لا يقوم بفعل ما يحتاجه هو لنفسه فهو مفرط بحق نفسه أولاً، وبحق غيره، والغير يشمل الأم والأب والأخ والأخت ولربما الزوجة لزوجها عندما تنشغل عن تلبية واجبات بيتها، ويجد الزوج معظم وقتها تقضيه على الجوال أو الفيس بوك تحت حجة الأبحاث وغيره”، على حد تعبيره.

العقوق بات صارخاً وليس صامتاً

وأكد الثلاثيني على أن العقوق الذي نشهده هو عقوق صارخ وليس صامتاً كونه أصبح ظاهرة منتشرة، موضحاً أن الشرع لم يحرم استخدام الإنترنت أو الفيس بوك أو غيرها من المواقع، لكنه حدد ضوابط لاستخدامها.

وأردف قائلاً: “إذا التزمنا بضوابط استخدام هذه الأجهزة أصبحت حلالاً، وإذا خرجنا عن الحدود واستخدمناها في المحرمات المؤذية كالعقوق، يصبح استخدامها لا يجوز ويدخل في الحرمة والأجهزة التي بين أيدينا هي شبهة، فاتقوا الله في الشبهات، ومن يقع في الشبهات يقع في الحرام”.

كيف يمكن الحد من العقوق؟

الثلاثيني: إن الحد من مشكلة العقوق الصامت يكون بالتزام الأبناء في الصلاة، وتربية الأبناء على استشعار مخافة الله وبأن العقوق موبقة من الموبقات السبع

وقال الثلاثيني: “إن الحد من مشكلة العقوق الصامت يكون أولاً- بالتزام الأبناء في الصلاة والتزامهم يعطي مؤشراً بأن هناك سلبيات كثيرة ستمحى من حياتهم، ثانياً- تربية الأبناء على استشعار مخافة الله وبأن العقوق موبقة من الموبقات السبع، حتى لو توفي وهو عاق لوالديه سيكون مغضوب عليه، ولا يدخل الجنة ولا يشفع له النبي -صلى الله عليه وسلم- فمعرفة أن عقوق الوالدين جريمة أعظم من جريمة الزنا، يمكن أن تكون رادعاً له”.

وختم حديثه بالقول: “إن الالتزام بتعليمات الوالدين وإن كانت مخالفة للرأي فستكون تصب في مصلحة الأبناء”.

العقوق الصامت لا يكون مقصوداً ومتعمداً

أمين شبير: العقوق الصامت ناتج عن عدم وجود توافق بين طرفين، أو قد لا يكون قصد الابن أن يعق والديه أو أحد مسؤوليه أو يتعمد ذلك، لكن يحدث نتيجة انشغاله بأمر معين
أمين شبير: العقوق الصامت ناتج عن عدم وجود توافق بين طرفين، أو قد لا يكون قصد الابن أن يعق والديه أو أحد مسؤوليه أو يتعمد ذلك، لكن يحدث نتيجة انشغاله بأمر معين

ومن جهته، قال الأستاذ أمين شبير مدرس الخدمة الاجتماعية في الجامعة الإسلامية بغزة لـ“بصائر”: “لاشك أن العقوق الصامت ناتج عن عدم وجود توافق بين طرفين، وقد يكون العقوق بين الآباء والأبناء، أو طالب مع أستاذه، منوهاً إلى أنه قد لا يكون قصد الابن أن يعق والديه أو أحد مسؤوليه أو يتعمد ذلك، لكن يحدث نتيجة انشغاله بأمر معين، قد يدفع الشخص بأن يرد ويقول إن شاء الله ولكن لا يفعلها”.

وأضاف أن البعض قد تتطوّر معه الأمور بأن يطلب والديه منه شيئاً معيناً، لكنه لا يتجرأ على الرد بصوت مسموع، فتجده يحدق البصر في والديه، أو يبدي بعض الحركات التي فيها شيء من الاستفزاز والقسوة وهذا كله يقع ضمن العقوق الصامت.

نفسية الآباء رقيقة فلا ترهقوهم

وتابع “من البر بوالدينا ألا نخبرهم بكل صغيرة وكبيرة تكدر خواطرهم ؛ لأن تلك الصغائر ما هي إلا هموم تتراكم في قلوبهم مسببة لهم من القلق والألم النفسي والجسدي ما لا يمكن أن يتصوره الأبناء، كما أن نفسية الآباء عند كبرهم تصبح في غاية الرقة، تجرحها كلمة وتؤلمها لفتة، وأشد ما يؤلمها هو رؤية أحد الأبناء في مشاكل وتعب “.

وقال شبير: “إن بعض المشاكل يمكن أن يحلها الشاب أو الفتاة بنفسه دون أن يجهد قلوب والديه، وهناك ثرثرة وشكوى فارغة يستطيع الابن أن يبقيها لنفسه أو لأصدقائه دون أن يدخل ضمن دائرة العقوق الصامت”.

وأشار شبير إلى أن الأب يبذل كل جهده ليرى ابنه خريجاً وناجحاً ويعمل في مجتمعه، لكن ممكن نظرة أو تحديقة من الابن في وجه والده تترك جرحاً عميقاً في نفسه، حتى إن امتص الأب غضب ابنه.

أهمية مصارحة الأبناء منذ الصغر

وشدد شبير قائلاً: “يجب على الأبناء أن يحذروا من العقوق الصامت، وكلنا أبناء مجتمع مسلم ونعرف قيمة الأب والأم في الإسلام وعلى الابن أن يتقي الله في نفسه، وفي والديه، وعليه أن يبادلهم بشيء مما يعطوه له، وأن يقف على حدود الله، ونهج نبيه بهذه الأمور ونتصرف وفقاً لديننا”.

شبير: على الآباء أن يصارحوا أبناءهم ويضعوا الحدود لهم ولا يتركوهم على “الغارب” حتى يصلوا إلى مرحلة النضج وتبدأ المعاناة

وأكد على أن “الأب لديه من القدرة الاستيعابية الشيء الكثير، لكن يجب استخدام أسلوب المكاشفة والمصارحة مع الأبناء بحزم منذ الصغر ، ولو تجاوز الابن حدوده يحق للأب أن يعاقبه، ويمنع عنه مساعدة معينة حتى يتذكر الابن ويعرف ماذا فعل، وعلى الآباء أن يصارحوا أبناءهم ويضعوا الحدود لهم ولا يتركوهم على “الغارب” حتى يصلوا إلى مرحلة النضج وتبدأ المعاناة”، بحسب شبير.

نصيحة للأبناء

وختم حديثه بالقول: “على الابن أن يتذكر أنه سيأتي يوم ويكون مكان والده، وسيتعامل معه أبناؤه بالطريقة التي تعامل فيها مع والده ، وهذه فرصتك حتى تعدل من مسيرتك وتصلح نفسك وتحسن التعامل مع والديك؛ لتريحهم كما خدموك وتحملوك في طفولتك المزعجة ومراهقتك الثائرة، لتساعدهم على استيعاب جمال التضحيات التي قدموها لأجلك، وكن ناضجاً في تعاملك مع والديك”.

رجــــــاء : رجاءا من كل الأخوات الكريمات اللاتي استفدن من هذه المعلومات وبقليل من الجهد مشاركة الموضوع عبر احدى ازرار المشاركة بالاسفل ولكن جزيل الشكر.